
في تلك الليلة التي انكمش فيها القمر خلف سحابة رمادية كثيفة، كانت المدينة تغفو على صوت الريح المتسلل بين الأزقة القديمة. لم يكن أحد يتوقع أن يبدأ كل شيء بهذه البساطة: رسالة قصيرة، بلا توقيع، تُركت على عتبة باب منزلٍ مهجور في الحيّ العتيق. لم يلحظها أحد سوى سامر، الفتى الذي اعتاد التجول ليلاً بحثًا عن شيء لا يعرفه، وكأنه يهرب من صمت غرفته الباردة. انحنى والتقط الورقة، كانت مطوية بعناية، وعليها بقعة حبر جافة. فتحها ببطء، وعيناه تتسابقان مع الكلمات: “حين تسمع صوت الخطى خلفك، لا تلتفت. الطريق بدأ، والساعة اقتربت.” لم يفهم شيئًا، لكنه شعر بشيء يتحرك داخله، كأن الكلمات أيقظت فيه ذكرى لم يعشها بعد. عاد إلى منزله، والرسالة في جيبه، لكن النوم جافاه. في صباح اليوم التالي، بدأ كل شيء يتغير. وجوه الناس في الحيّ بدت أكثر توترًا، وكأنهم يعرفون شيئًا لا يريدون البوح به. حتى العجوز أمينة، التي كانت تبتسم له كل يوم، مرّت بجانبه دون أن ترفع عينيها. سامر لم يكن يعرف أن تلك الرسالة كانت البداية. بداية قصة لا تشبه القصص، لا تُروى في المجالس، ولا تُكتب في الكتب. كانت قصة من نوع آخر، تنمو في الظلال، وتتنفس في الصمت، وتنتظر من يجرؤ على المتابعة. نهايه الفصل الاول.
